التواكل والتوكل
فالتوكل على الله يعني الاعتماد عليه والأخذ بالأسباب ،
أما التواكل فيعني ترك الأخذ بالأسباب ، وهذا يدمر الأمة والمجتمع ، ولقد جاء
الإسلام بالحث على العمل، والنشاط، وعدم الكسل، وهذا يعود على الأمة بالنفع والخير
الكثير.
هناك فرق دقيق وعميق بين كلمتي "التَوكُّل" و
"التواكُل"، فالتوكُّل إيمانٌ بالله ـ عزَّ وجل ـ، وثِقةٌ بوعْده
ونصْره، وإقبالٌ عليه واستمدادٌ منه واستعانةٌ به، وهذه صفة أصيلةٌ من صفات المؤمن
المُوقِن، وأما التواكل فهو ترْك السعْي والعمل، وتضييع الفرصة وإهمال الواجب،
ولذلك جاء في كتاب "مفردات القرآن" أنه يُقال: واكَل فلانٌ إذا ضيَّع
أمره مُتَّكِلاً على غيره، وتَواكل القوم إذا اتَّكَل كل منهم على الآخر.
أثر التواكل على المجتمع:
ويوم يَشيع التواكل بين الناس تكون الأمَّة قد أُصيبت
بآفةٍ دونها الآفات، إذ تضيع التبعات، وتَنْبَهِم المسؤوليَّات، فهذا يُلقي التبعة
على ذاك، وذاك يَطرحها على ذلك. وكل منهم يريد أن يَأخذ بدون عَطاء، أو يتمتَّع
بدون تعَب، وكل منهم ينتظر أن تبلُغُه آماله ورغَباته بِلا سعْي أو عمَل، ولذلك
حارَب الإسلام التواكل حربًا لا هَوَادة فيها.
وجاء القرآن الكريم حاثًّا على العمل والسعْي، وتَحمُّل
التبِعات وتقدير المسؤوليَّات، فقال: (وأنْ ليس للإنسان إلاَّ ما سعى* وأنَّ سعيَه
سوف يُرى * ثُمَّ يُجْزَاه الجزاءَ الأَوْفَى) (النجم 39ـ41). وقال: (هو الذي جعَل
لكم الأرضَ ذَلُولاً، فامشُوا في مَناكِبِها وكُلوا من رزْقه وإليه النشور)
(الملك15) وقال فإذا قُضِيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضْل الله
،واذكروا الله كثيرًا لعلَّكم تُفلحون) (الجمعة 10). وقال: (يا أيُّها الذين آمنوا
خذوا حِذرَكم ) (النساء 70). وقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (الأنفال 60).
ولقد جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريد
أن يَترك ناقته بِلا رِباط، وقال للرسول: يا رسول الله، أَعقِلُها وأَتوكَّل، أمْ
أُطلِقُها وأتوكَّل؟ فقال له: اعقلْها وتوكَّل. وهذا رمز من رسول الله ـ صلى عليه
و سلم ـ إلى أن الإنسان يَلزَمه أن يتَّخِذ كل ما يُمكنُه من وَسائل عمَليَّة
وأسبابٍ مادية للنجاح فيما يحاول، ولِبُلوغ ما يُريد، ثم يَقرِن هذا بالإيمان
الصادق واليقين الجازم والثقة بتأييد الله جلَّ جلالُه.
وفي الحديث النبوي: "لو أنكم تَتوكَّلون على الله
حقَّ توكُّله، لَرَزَقكم كما يَرزُق الطير، تَغدُو خِماصًا، وتَروح بِطانًا".
وقد استدلَّ العلماء بهذا الحديث على أن التوكل غير
التواكل؛ لأن التواكل ترْكٌ للعمل وتَعلُّقٌ بالأحلام والأماني، وأما التوكل فيكون
مع السعي والعمل والحركة الدائبة؛ لأن الحديث قد ذكر الطير التي تطير صباحًا وهي
خالية البطون، وتسعى طالبة الرزق هنا وهناك، ثم ترجع إلى أعشاشها في آخر النهار،
وقد امتلأت منها البطون بسعيها وجِدِّها واجتهادها. ولم يَقُل الحديث: إن الطيور
تبقى في أعشاشها، ويأتيها الرزق دون سعي أو عمل.
ولِعُمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ كلمة بليغة في التندِيد
بالتواكل، والتحريض على العمل مع التوكل، يقول فيها: "لا يَقْعُدَنَّ أحدُكم
عن طلب الرزق، ويقول: "اللهم ارزُقْني، وقد علِم أن السماء لا تُمطر ذهبًا
ولا فِضَّةً".
وقد رَوى عبد الله ابن الإمام العظيم أحمد بن حنبل قال:
قلتُ لأبي: هؤلاء المتوكلون يقولون: نَقعُد وأرزاقنا على الله. فقال الإمام: هذا
قول رديء خبيث، يقول الله عز وجل: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله وذروا البيع) (الجمعة: 9).
ومن الأقوال المأثورة عن العرب قولهم: "تَوكَّل على
الله ولا تَتَّكِل على غيره" أيْ آمِن بالله تعالى، وثِقْ بنصره ما دُمْتَ
مُتَّبِعًا لهَدْيِه، مُنَفِّذًا لحُكْمِه، آخذًا بالأسباب التي شَرَعها لك
وهيَّأها أمامك، ثم انطلقْ في طريقك، ولا تجعل نفسك عالةً على سواك، فالله وَلِيُّ
العاملين.
إن الإسلام حين وضع شِرْعَة الحساب، ورَتَّب عليها الثواب
والعقاب، أراد أن يدفع الناس إلى مجالات السعي والعمل، وأن يُبْعدهم عن مزالق
التواكل والفشل، ولذلك ذكرهم برقابته وإحصائه، ودِقَّة محاسبته وجزائه: (إِنَ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتَدَى.
ولله ما في السموات وما في الأرض لِيَجْزِي الذين أساءوا بما عمِلوا ويَجزِي الذين
أحسنوا بالحسنى) (النجم: 30 ـ 31).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق