فرضية اللاوعي و الشعور عند فرويد
فرويد كان من أعطى مفهوم اللاوعي بعده الذي سيصبح من ثم كونيًا؛ وذلك بصياغته الدقيقة لذلك المفهوم المنبثق بشكل أساسي عن الممارسة العلاجية، والذي سيكتسح المنظور التقليدي للنفس وللسلوكية الإنسانية. ذلك المفهوم الذي يجب التعاطي معه بصرامة من منطلق أنه يتكون مما لا يمكن إدراكه عن طريق الوعي: كتلك التصورات، والرغبات التي نكبتها لأنها غير مقبولة (من منظور وعينا الأخلاقي أو الاجتماعي).
يمكن أن تكون هذه الصفة، بشكل عام، صفة الشخص المجرَّد تمامًا من الوعي. كما يمكن أن تكون صفة الشخص الأرعن بالكامل. وبالتالي صفة ذلك الشخص غيرالواعِ لما يعنيه أو يتطلبه ظرف خاص معين.
يمكن أن تكون هذه الصفة، بشكل عام، صفة الشخص المجرَّد تمامًا من الوعي. كما يمكن أن تكون صفة الشخص الأرعن بالكامل. وبالتالي صفة ذلك الشخص غيرالواعِ لما يعنيه أو يتطلبه ظرف خاص معين.
في تاريخ الفلسفة، تعرض العديد من المفكِّرين والفلاسفة
لذلك المفهوم الذي تمَّ اكتشافه لاحقًا من قبل فرويد Freud وعرف باللاوعي. حيث
كان لايبنز
Leibniz يفترض وجود "تصورات دقيقة" موازية
للظواهر التي نعيها؛ تلك الظواهرالتي أسماها مين دو بيران Maine de Biran بـ"التصورات
الغامضة" التي ليس بوسعنا إدراكها عن طريق الفكر؛ أو تلك المنبثقة عن
"مبدأ ميتافيزيائي" ينطلق منه فكر بعض الأشخاص كما كان يعتقد شوبنهاور Schopenhauer؛ أو تلك "الحالات
الخاصة" كما كان يسميها نيتشه Nietzsche.
الأمر الذي يجعل تلك العناصر المكبوتة تحتفظ بنوع من الطاقة الغرائبية؛ ما يعني أنه يجب فهم اللاوعي، بشكل أساسي، كظاهرة ديناميكية، بمعنى أن اللاوعي يسعى دائمًا إلى تمرير تصوراته التي ليس بوسعها الوصول إلى بدايات الوعي، أو إلى الوعي بحدِّ ذاته، ما لم تتحول (خاصةً عن طريق الأحلام) وبالتالي ما لم تتخذ شكل مظهر حميد ومقبول.
إن واقع كون هذه الظاهرة عصيةً على الوعي يعني بالنسبة
لفرويد أنها تعبِّر إلى حدٍّ كبير (يكاد يقارب التسعة أعشار من حيث النسبة) عن
الواقع العميق الذي لا يمكن إدراكه من قبل الفرد لتفاعلاته النفسية، ذلك المجال
الذي يعتقد التفكير التقليدي أن بوسع الفرد فيه أن يسيطر بشكل كامل على سلوكياته
وعلى فكره.
من هذا المنظور يعتبر اللاوعي الفرويدي خرقًا لذلك الفكر لا يمكن تجاوزه، لأن في هذه الحالة يتجاهل الشخص ما يحدد شخصيته ومسار حياته، وبالتالي يتجاهل ما يمكن أن يترسخ في لاوعيه (الذي يتجاوز الزمان) من آثار لصدمات تعرض لها في طفولته، ويمكن أن تصبح مرضيةً في المستقبل.
من هذا المنظور يعتبر اللاوعي الفرويدي خرقًا لذلك الفكر لا يمكن تجاوزه، لأن في هذه الحالة يتجاهل الشخص ما يحدد شخصيته ومسار حياته، وبالتالي يتجاهل ما يمكن أن يترسخ في لاوعيه (الذي يتجاوز الزمان) من آثار لصدمات تعرض لها في طفولته، ويمكن أن تصبح مرضيةً في المستقبل.
فرويد
يمثّل اللاشعور عند فرويد واقعا ديناميكيا يرتبط بتجربة العلاج
الإكلينيكي، و يتكوّن اللاّشعور من المحتويات النفسية المكبوت ة، و يمكن أن يصبح
معلوما من قبل الوعي عندما يقع تجاوز المقاومة بفضل التحليل النفسي الذي يظهر
المعاني اللاواعية لبعض الإنتاجات النفسية.
و فرضية اللاشعور هي فرضية ضرورية، ذلك أن المعطيات
النفسية هي في غالب الأحيان ذات فجوات، و العلاج يؤدي إلى افتراض محتويات لاشعورية
يمكن أن تفسّر الأمراض العصابية و ربّما الذهانية أيضا. و يتمظهر اللاشعور بشكل
ملتو في الشعور، ذلك أن هفوات الأفعال و زلات اللسان و الأحلام و الإبداعات
الثقافية تمثل انبجاس اللاشعور في الحياة اليومية.
فهفوات الأفعال هي أفعال تخطئ هدفها و قصدها و تعبر عن شيء آخر مخالف لها، ذلك هو حال أخطاء الكتابة أو تكسير الأشياء... فهي كلها أفعال يجب تناولها بجدّية و نكشف معانيها و وظائفها، إذ تظهر لنا الأسرار الأكثر حميمية التي يسعى الفرد إلى إخفائها، و تثبت وجود الكبت لدى الفرد. أما الأحلام فهي متنفس اللاشعور، ذلك أن فرويد يجد في الحلم معنى و يؤوّل محتواه الظاهر، إذ يولّد معاني لاواعية يوضّح بها معطيات الحلم التي تبدو لاعقلانية. فما يضيفه فرويد هو إذن، المحتوى الكامن أو فكرة الحلم، بحيث يصبح الحلم عقلانيا، إذ هو، من هذا المنطلق التأويلي، إشباع مقنّع لرغبة جنسية مكبوتة، و ما يهم في تأويل الأحلام يتمثّل فيما هو مخفي : معنى الأفكار الكامنة و المقنّعة للحلم.
فهفوات الأفعال هي أفعال تخطئ هدفها و قصدها و تعبر عن شيء آخر مخالف لها، ذلك هو حال أخطاء الكتابة أو تكسير الأشياء... فهي كلها أفعال يجب تناولها بجدّية و نكشف معانيها و وظائفها، إذ تظهر لنا الأسرار الأكثر حميمية التي يسعى الفرد إلى إخفائها، و تثبت وجود الكبت لدى الفرد. أما الأحلام فهي متنفس اللاشعور، ذلك أن فرويد يجد في الحلم معنى و يؤوّل محتواه الظاهر، إذ يولّد معاني لاواعية يوضّح بها معطيات الحلم التي تبدو لاعقلانية. فما يضيفه فرويد هو إذن، المحتوى الكامن أو فكرة الحلم، بحيث يصبح الحلم عقلانيا، إذ هو، من هذا المنطلق التأويلي، إشباع مقنّع لرغبة جنسية مكبوتة، و ما يهم في تأويل الأحلام يتمثّل فيما هو مخفي : معنى الأفكار الكامنة و المقنّعة للحلم.
و هكذا أظهر فرويد المعنى الخفي لسلوكاتنا و أزاح الوعي عن مركزيته،
فالوعي ليس إلاّ حالة مؤقتة من حياتنا النفسية غيابها أكثر من حضورها.
تأملات نقدية في اللاوعي :
لقد عاش الفكر الفلسفي طيلة قرون مختزلا الإنسان في بعده الواعي، و حتى
المحاولات الفلسفية لبيان حدود الوع ي ( الحد الاجتماعي مع ماركس، و الحد
الانفعالي مع نيتشه ) لم تنتهي إلى إقرار اللاوعي كمكوّن من مكونات الحياة النفسية
للإنسان. لذلك فإن اكتشاف اللاشعور مع فرويد أدى إلى "رجّة" الوعي
الفلسفي، على حدّ عبارة ريكور.
إذ يبدو أن البحث المتواصل عن الدواعي اللاشعورية للفعل الإنساني محرجا
للفلسفات الذاتية التي تتأسس على فكرة الحريّة، و محرجا للوعي الأخلاقي، لأننا
عندما نضخم اللاشعور نذهب ضد الأخلاق. و من هذا المنطلق حذّر آلان من المزالق التي
قد يؤدي إليها الإقرار باللاشعور كاللامسؤولية و عفوية الوعي. أما سارتر فقد ذهب
إلى أبعد من التحذير، إذ رفض أن يجعل من اللاشعور سبب اختياراتنا، فليس لنا، حسب
سارتر، أن نبحث عن أعذار لأفعالنا و أن نختفي وراء اللاشعور. إذ أن سارتر رفض
اللاشعور في " الوجود و العدم " و أرجعه إلى سوء النيّة أي كذب الذّات
على ذاتها.
إلاّ أن ريكور لا ينخرط في هذا المدّ المناهض للتحليل النفسي و دعا
الفلسفة إلى ضرورة مراجعة فهمها للإنسان انطلاقا من جدلية الوعي و اللاوعي، و
تجاوز مجرد اللّفظ للاشعور. فحتى لو فرضنا أن اللاشعور يقحم القدرية في حياة
الإنسان بما أنه يفرض عليها حتمية مطلقة تجعل من اللاوعي مرادفا لقدر يفعل دون
هوادة في حياته، و حتى لو فرضنا أن اللاوعي يهدم الوعي الأخلاقي، فإن ذلك لا يجب
أن يحجب علينا التمشّي الفرويدي الذي يظهر أخلاقيا في معنى ما، ذلك أن العلاج يهدف
إلى ترميم حرّية حادت عن طريقها. و من هذا المنطلق دعا ريكور إلى إقامة
أنتروبولوجيا فلسفية تضطلع بجدلية الوعي و اللاوعي تقوم على أساس دراسة
إبستيمولوجية للتحليل النفسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق