المجتمع
التفكك و التماسك
أولا ً : مفهوم المجتمع بوجه عام Concept of Society : in general :
الانسان بطبيعته
مخلوق اجتماعي يعتمد على المجتمع لتلبية حاجاته الاساسية . والمجتمع يقوم كنسق من
العلاقات المتبادلة بين الأفراد ، ومن أجل هذا لا يمكن أن نعزل الفرد عن مجتمعه
وعن ثقافته لأنه لا يصبح أنسانا ً الا من خلال التفاعل مع الآخرين في الجماعة (1) .
هذه الحقيقة يمكن
الانطلاق منها لفهم مفردة المجتمع ، ويمكن القول لتكوين تصور واضح حول هذا المفهوم
بأنه لا وجود لتعريف محدد للمجتمع بالمعنى القانوني لهذه الكلمة ، نظرا ً لما
يحويه من غنى أجتماعي لا نهاية له .
يذهب أدرنو في
تحديده للمفهوم بأن ، المجتمع ، يتحدد من خلال التبادل كشرط اساسي في تكوينه . فما
الذي يجعل من المجتمع مجتمعا ً ، أن من ناحية المفهوم ، أي نظريا ً ، او كتكوين
واقعي ، فعلي ، إنما هي علاقات التبادل التي تطبق على كل البشر الذين يطالهم مفهوم
المجتمع (2) .
ويرى أدرنو أن
مفهوم المجتمع ليس مفهوما ً معطى ، بمعنى انه لا يمكن لمس المجتمع لمس اليد ، صحيح
انه ليس معطى حسيا ً ، ليس مجرد واقعة ملموسة يمكن تسجيلها ، الا انه رغم ذلك شيء
قابل للتحديد من خلال المعرفة ، فهو ليس شيئا ً لا عقلانيا ً (3) .
ان العلاقة
المتبادلة بين الافراد ليست من نمط واحد ثابت لا يتغير ، بل هي تتخذ اشكالا ً
متعددة متنوعة متبدلة ، ووفقا ً لذلك فأن أدبيات العلوم الاجتماعية تزخر
باستخدامات لمصطلح المجتمع بمفاهيم مختلفة ومتمايزة ، ومنها مصطلح المجتمع المحلي .
المجتمع المحلي
يعرف على انه اكثر تجمعات الانسان شمولا ً وهو يتميز بامكانية ان يقضي العضو الفرد
في هذا المجتمع ، حياته كلها في داخله .. وأن الأساسين اللذين تقوم عليها كل المجتمعات المحلية ، هما
المكان المشترك والشعور المشترك بالعاطفة نحو المجتمع المحلي (4) . أما عن الاساس
الأول فأن المجتمع المحلي يتميز بطبيعة اقليمية ، تشتمل تربة مشتركة بالأضافة الى
طريقة مشتركة في الحياة (5) . ذلك أن القيم المشتركة تظهر مرتبطة بالمكان المشترك .
وعن الأساس الثاني
، أي الشعور المشترك بالعاطفة نحو المجتمع المحلي ، فهو ذلك الاحساس المشترك بما
يملكون – من ذكريات وتقاليد وعادات ومؤسسات – ويشكل الحاجة العامة للناس الى العيش
معا ً ، ويحددها ويصبح المجتمع المحلي الخلفية الدائمة في حياتهم ، والى حد ما
الصورة المستقبلية لفرديتهم (6) .
يتضح من ذلك بأن
مفردة المجتمع المحلي أقرب الى المفهوم العام لمفردة مجتمع المتداولة على
اطلاقيتها . وهي متمايزة عن مفهوم المجتمع المدني – موضوع البحث – لكنه بالتأكيد
يشكل الاساس الذي يتغذى المجتمع المدني منه ويتحرك في أطاره ويتفاعل معه .
دولة ، فأنه يمكن رصد مدخلين للتعامل مع تلك العلاقة .
المدخل الأول – المدخل الصراعي :
وفيه يشيع الأدراك الذي يعد المجتمع المدني كمقابل لمفهوم آخر هو
الدولة ، التي تمثل المجتمع السياسي ، فالمطالبة بالديمقراطية والحديث عن احترام
حقوق الانسان ، قد اصبحت شيئا ً فشيئا ً ، تتخذ صورة الحديث عن المجتمع المدني
ووجوب الاعتراف به أولا ً ، وتسعى ثانيا ً الى ان تقوم كطرف قوي في وجه الدولة
(التسلطية) وهكذا تتقرر العلاقة ، منذ الوهلة الاولى في صورة صراع او مجابهة حتمية
بين الدولة من جهة وبين المجتمع المدني من جهة اخرى (48) .
ووفقا ً لذلك فالمجتمع المدني هو كل المكونات والاطراف التي تقف بالضد
من الدولة التسلطية . واضحى المفهوم مادة محورية في الخطاب الفكري والسياسي لبلدان
العالم الثالث والوطن العربي ، من باب الحاجة للديمقراطية وحقوق الانسان أي من
مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهة الدولة وخلق ثنائية تنافر بينهما .
وفي ذات المدخل ولكن من وجهة نظر معاكسة فيها توجس وريبة واسعة من
مفهوم المجتمع المدني ، استنتج البعض بأن قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير
الحكومية الجديدة التي تنشط حول اهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالاسباب المشتركة
لهذه المشاكل الجزئية ، والتي تعود بالأساس الى العولمة الرأسمالية وسياساتها ،
فأن هذا يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع
الديمقراطي الى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة
عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا (49)
ويترتب طبقا ً لوجهة النظر هذه ، ان مفهوم المجتمع المدني يوظف ليكون
بديلا ً عن الدولة "الوطنية" التي تنسحب من ادوارها التقليدية
ومسؤلياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة والكادحة ،
ويستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر
والبطالة والتهميش (50)
.
ويمكن ان يوجه لهذا الرأي نقد رئيسي وهو ان الدولة " الوطنية
" التي يدافع عنها ويبرر موقفه المضاد للمجتمع المدني دفاعا ً عنها قد فشلت
في تحقيق التنمية الشاملة لمجتمعها ، وانسحبت أو بدأت تنسحب من دورها كدولة راعية
ومن مهمة تقديم الخدمات للمواطنين ، وهنا يأتي المجتمع المدني يملأ ذلك الفراغ
جراء الدور الأصيل الذي انسحبت منه الدولة ، من خلال شبكات الحماية الاجتماعية ،
وبات ينظر الى منظمات المجتمع المدني كوسائل للتنمية وتوفير حد ادنى من الرعاية
الاجتماعية للفقراء الذين هم الاكثر تأثرا ً بسياسات التكيف الهيكلي ، وهكذا يحل
المجتمع المدني محل (دولة الرعاية) .
ويتبين من وجهات النظر السابقة المطروحة ان المجتمع المدني والدولة
تحكم علاقتهما حالة تصارعية ، مع اختلاف في النوايا ، فبينما شدد الرأي الأول على
ان المجتمع المدني مفهوم يصارع الدولة الاستبدادية ، اكد الرأي الثاني على ان
المجتمع المدني يصارع الدولة " الوطنية " وينازعها مسؤلياتها وواجباتها
تجاه شعبها . ويبدو ان هذا النوع من الصراع او المباراة هي صفرية ، أي ان طرفا ً
واحدا ً فيها هو الذي اذا كسب فيكسب كل شيء والاخر تكون خسارته في كل شيء . ومما
لا شك فيه ان الدولة هي ، على الأغلب ، الرابح في مثل هذا الصراع .
المدخل الثاني – المدخل التكاملي :
الذي يشدد على التأثير المتبادل بين الدولة والمجتمع المدني ، لقد
انطلق من فرضية اساسية ، وهي انه في الواقع ، من الصعب ان يعد اداء المجتمع المدني
ناجحا ً فعليا ً بدون الدولة ، فالمواطن ، اداة وغاية السياسة ، وهو في نفس الوقت
مقسر بالدولة ومحمي بها . وتقوم الدولة بدور مهم في توفير اطار الاندماج الذي يعمل
ضمنه المجتمع المدني والاخير لا يمكنه اداء وظيفته بشكل مناسب بدونها (51) .
ويؤكد ذلك المدخل على ان اطار الاندماج الذي توفره الدولة يتضمن طاقما
ً من القواعد التي تنهي الخصومة السياسية ويجب ان تكون مقبولة ومشروعة من الجميع ،
كذلك التأكيد على ثقافة المشاركة في المجتمع ، وهذا يتضمن ، بوضوح ، حكم القانون
وقدرة الدولة في ان تخلق درجة من التماسك بدونها يضحى المجتمع المدني ، بشكل حاد ،
غير مدني ، ومن المحتمل ان ينزلق الى الفوضى والعدائية . ولكن بالمقابل ، يجب ان
يكون المجتمع المدني حرا ً ليتحدى الدولة لكي يمنع العقلية البيروقراطية في عمل
الدولة من الوصول الى نوع من التسلطية التي تولد القساوة والعنف (52) .
ومن الواضح ، التأكيد على العلاقة التكاملية بين الطرفين ، التي لا
ينصب تركيزها على المجتمع المدني كضمانة للديمقراطية فحسب ، بل ايضا ً على بنية
الدولة ونظامها السياسي ، وما تكفله للمواطن من حريات مدنية ومساواة امام القانون
. أي ان التأكيد يجرى هنا على توازن الدولة والمجتمع المدني ومحاولة تجسير العلاقة
بينهما او الغاء التناقض بين الاثنين .
ان الدولة يمكنها ، لاجل تحقيق هذه الغاية ، ان تقوم باعادة تنظيم
الدولة على اساس فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وتشريع حرية
الرأي والتنظيم والتظاهر على اساس دستور يضمن الحريات المدنية وترسيخ مفهوم
المواطنة بما هي حقوق وواجبات (53) .
ولكن من الملاحظ ، ان الدولة ، في احيان كثيرة ، تلجأ الى وضع القيود
امام فعالية المجتمع المدني ، وتضيق الخناق عليه ، الى درجة يصبح الافراد فيه مجرد
رعايا وليس مواطنين في دولة ديمقراطية . وللدولة وسائلها في ذلك ، بدءا ً من
الضوابط التي تضعها لتأسيس منظمات المجتمع المدني ، مرورا ً بتوجيه انشطتها وتعيين
بعض ممثليها في تلك المنظمات لهذا الغرض ، وانتهاءا ً بتجميد عملها واحيانا ً بحلها وتعقب ناشطيها (54) .
وهكذا يعاني المجتمع المدني من تبعيته للدولة وبالتالي يخرج عن اطار
خاصيته الاساسية ، وهي الاستقلالية عن الدولة . ويمكن تعليل ذلك الى ان الدولة قد
تسمح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل لكن عدم الثقة هي التي تجعلها تضع القيود على
نشاطها . بالأضافة الى ذلك فأن نشاطات الدولة التي تشمل جميع المجالات حولت سلطة
الدولة الى اداة مراقبة مستمرة وهذا يقوي من عدم الثقة بين الطرفين ويشكل عائق
امام استقلالية المجتمعات المدنية (55) .
وبدوره المجتمع المدني يمكن له ان يؤدي دورا ً حيويا ً في تحقيق
التكامل مع الدولة ، فمن منظور وظائفي شخص بعض الباحثين وظائف المجتمع المدني في
هذا المجال ، حماية المواطن من تعسف وتجاوزات السلطة ، وكذلك حمايته ازاء ما تفرزه
آليات السوق الرأسمالي من استثناء ولامساواة وتهميش . وكذلك من وظائف المجتمع
المدني حماية المواطن من عسف وتجاوزات بعض المنظمات المدنية ( كالمنظمات التقليدية
العشائرية ، والطائفية والمحلية ) ذلك ان تلك المنظمات توفر الحماية ايضا ً من
سلطة الدولة بشكل او
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق