اللص والكلاب
عتبة المؤلف:
ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا في حي
الجمالية بالقاهرة عام 1911م، ونشأ في أسرة متوسطة الحال. فتلقى تعليمه الابتدائي
بالمدرسة الحسنية، ثم الثانوي بمدرسة فؤاد الأول إلى حين حصوله على شهادة
البكالوريا، وتخرج بعد ذلك من كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة.
وقد شرع في الكتابة والإبداع منذ المرحلة الثانوية، ونشر
عام 1934م أول نص قصصي له حمل عنوان" ثمن الضعف"، وانخرط بعد ذلك في سلك
الوظيفة العمومية بإدارة جامعة فؤاد الأول، فوزارة الثقافة ليعين عضوا بالمجلس
الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة...
وأحيل نجيب محفوظ على المعاش عام 1971م، ومن يومها وهو
يواصل الإبداع والكتابة الروائية والقصصية والمسرحية إلى أن حاز على جائزة نوبل في
الآداب عام 1988 م.
ولقد اعتدى عليه بعض المتطرفين من أجل إسكاته نهائيا، في
حين صودرت روايته" أولاد حارتنا" من الساحة الثقافية المصرية بصفة خاصة
والساحة الثقافية العربية بصفة عامة.
هذا، ولقد عايش نجيب محفوظ جميع ماشاهدته مصر في تاريخها
الحديث من هزات مست مختلف مكوناتها ابتداء بالثورة العرابية سنة1882م، وثورة سعد
زغلول سنة 1919م، وما عاشته من أزمات اقتصادية خاصة أزمة مابين 1930و1934م ، وما
رافق الحرب العالمية الأولى والثانية من استبدادات إقطاعية واستعمارية وأزمات
سياسية وفكرية واجتماعية، عمل نجيب محفوظ على تجسيد أثرها على المجتمع العربي،
فكانت قصصه رحلة عبر الأزمات المادية والروحية.
وتأثر نجيب محفوظ إلى جانب انجذابه إلى المحيط الذاتي
والاجتماعي والعصري بمؤثرات التراث العربي والغربي حيث تأثر قديما بالتأمل الفلسفي
عند أبي العلاء وبالروح الشعرية التأثرية عند ابن الرومي. فبدأ تجاربه الأولى بنظم
القصائد حتى عد نفسه رائد المدرسة الحديثة في الشعر، وحديثا تأثر بالحس الاجتماعي
الرهيف عند المنفلوطي، والعلم والاشتراكية عند سلامة موسى، كما تأثر في الجامعة
بالدراسات الفلسفية التي وجهت تفكيره إلى القضايا الفكرية،كما تأثر بمختلف
الاتجاهات الروائية الغربية كالاتجاه التاريخي والواقعي والنفسي والعبثي والطبيعي.
فبرز أثرها في تنوع الأشكال الروائية عنده بين التاريخية والاجتماعية والفلسفية
بنية العنوان:
من يتأمل عنوان الرواية ( اللص والكلاب)، فإنه سيجده
عبارة عن جملة اسمية بسيطة مركبة من المبتدإ ( اللص)،والخبر محذوف وهو النص بأكمله،
وجملة العطف تتكون من حرف عطف والمعطوف عليه. وتتكون البنية العنوانية من كلمتين
بينهما رابط واصل( عطفي). وينبني العنوان على الاختصار والاختزال والحذف الدلالي.
ويحمل العنوان على الرغم من حرفيته بعدا رمزيا
فانطاستيكيا قائما على المسخ والامتساخ المشوه، إذ يشبه الكاتب عليش سدرة ونبوية
ورؤوف علوان بالكلاب الماكرة واللصوص الخادعة الزائفة، ويوضح هذا الطرح ماكتبه
نجيب محفوظ في المقاطع الأخيرة من الرواية:" وانهال الرصاص حوله فخرق أزيزه
أذنيه، وتطاير نثار القبور. وأطلق الرصاص مرة أخرى وقد ذهل عن كل شيء فانصب الرصاص
كالمطر. وفي جنون صرخ:
- ياكلاب!
- وواصل إطلاق النار في جميع الجهات."
ويعني هذا أن الرواية تنتقد أصحاب الشعارات الزائفة كرؤوف
علوان ، وأصدقائه الماكرين كالمعلم بياضة وعليش، وزوجته الخائنة كنبوية. ويدل
الامتساخ الكاريكاتوري في الرواية على انعدام الإنسانية الحقيقية وتحول الإنسان
إلى حيوان خادع لايحسن سوى الخيانة والكيد والمكر مصداقا لقولة هوبز:
"الإنسان ذئب لأخيه الإنسان".
ويتسم العنوان بهيمنة المكون الفاعلي الذي يحضر عند نجيب
محفوظ في الكثير من رواياته ومجموعاته القصصية مثل: أولاد حارتنا، وحضرة المحترم،
والشحاذ، واللص والكلاب....
الغلاف الخارجي:
يحتوي الغلاف الخارجي الأمامي للرواية على بوسترPoster ملون بألوان مختلفة تتداخل فيها الألوان
الباردة كاللون الأزرق واللون الأخضر، والألوان الساخنة كاللون الأحمر واللون
البرتقالي ، كما يتقاطع فيه البياض مع السواد. وتعبر هذه الألوان المتناقضة عن
جدلية الحياة والموت، والحب والانتقام، والفرح والحزن، والشقاء والسعادة.
هذا، ويحيل المسدس على الرواية البوليسية أو رواية
الجريمة، كما تحيل المرأة على الحب والجنس والإباحية وتردي القيم الأخلاقية وتفسخ
المجتمع وانحطاط الإنسان.
وأظن أن رسام هذه اللوحة التشكيلية هو جمال قطب الذي صور
الكثير من اللوحات الواقعية التي تصدرت بها أغلفة روايات نجيب محفوظ الروائية
والقصصية.
إذاً، فاللوحة ذات تشكيل واقعي بعيد عن التجريد وأشكاله،
فهو يشير إلى أحداث القصة أو على الأقل إلى مشهد مجسد من هذه الأحداث. وعادة ما
يختار الرسام موقفا أساسيا في مجرى القصة يتميز بالتأزيم الدرامي للحدث. ولا يحتاج
القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل بسبب دلالته المباشرة على مضمون
الرواية. وببدو أن حضور هذه الرسوم الواقعية تقوم بوظيفة إذكاء خيال القارئ ودغدغة
عواطفه، لكي يتمثل بعض وقائع القصة وكأنها تجري أمامه.
ويمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات
الموجودة في العلاف الخارجي الأمامي داخلة في تشكيل المظهر الخارجي للرواية. كما
أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات، لا بد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية.
فوضع الاسم في أعلى الصفحة، لايعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل.
ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثا في الأعلى إلا أنه يصعب على
الدوام ضبط جميع التفسيرات الممكنة وورود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات
الخفية التي يمارسها توزيع الموقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث
بدراسة ميدانية.
ويمكن اعتبار حيثيات النشر عناوين فرعية إلى جانب العنوان
البصري والتعيين الجنسين، بيد أن رواية" اللص والكلاب " إذا كانت قد
ذكرت المطبعة ومكانها، فإنها لم تحدد زمنها وعدد طبعاتها.
طبيعة المؤلًف:
رواية "اللص والكلاب "تقوم علي خط الصراع
الأساسي بين "اللص والكلاب" أو سعيد مهران والمجتمع. وهذا الخط يلعب دور
العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها، فلا يتكلف
نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف الأساسي في
الرواية ويمكن للقارئ أن يضع يده علي الخيط الأول وبذلك لا يحس بأنه يوجد هناك
حاجز بينه وبين العمل الفني.
تصور رواية" اللص والكلاب" شخصية سعيد مهران
بأنه لص خرج من السجن صيفا بعد أن قضى به أربعة أعوام غدرا لينتقم من الذين اغتنوا
على حساب الآخرين، وزيفوا المبادئ، وداسوا على القيم الأصيلة لكي يجعل من الحياة
معنى بدلا من العبثية ولا جدواها. وهكذا قرر أن ينتقم من هؤلاء الكلاب إلا أن
محاولاته كانت كلها عابثة تصيب الأبرياء وينجو منها الأعداء مما زاد الطين بلة.
فصارت الحياة عبثا بلا معنى ولا هدف ، ولقي مصيره النهائي في نهاية الرواية بنوع
من اللامبالاة وعدم الاكتراث ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضعا، ولا غاية وجاهد بكل
قسوة ليسيطر على شيء ما ليبذل مقاومة أخيرة، ليظفر عبثا بذكرى مستعصية، وأخيرا لم
يجد بدا من الاستسلام،فاستسلم .
دواعي التأليف:
" اللص والكلاب"رواية مستوحاة من
واقعة حقيقية بطلها " محمود أمين سليمان " الذي شغل الرأي العام لعدة
شهور في أوائل عام 1961. وقد لوحظ اهتمام الناس بهذا المجرم وعطف الكثيرين منهم
عليه،فقد خرج " محمود أمين سليمان "عن القانون لينتقم من زوجته السابقة
ومحاميه لأنهما خاناه وانتهكا شرفه وحرماه من ماله وطفلته وكان هذا سببا هاما من
أسباب تعاطف الناس معه، ولتحقيق انتقامه ارتكب العديد من الجرائم في حق الشرطة
وبعض أفراد المجتمع، فأثارت هذه الواقعة اهتمام الكاتب واسلهم منها مادته الأدبية
تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلي فكانت رواية "اللص والكلاب".
صاحب المؤلف: ولد في 11 ديسمبر 1911وتوفي في 30 غشت
2006
أمضى طفولته في حي الجمالية حيث ولد، ثم انتقل إلى
العباسية والحسين والغورية، وهي أحياء القاهرة القديمة التي أثارت اهتمامه في
أعماله الأدبية وفي حياته الخاصة.
حصل على إجازة في الفلسفة عام 1934 وأثناء إعداده لرسالة
الماجستير دخل في صراع حاد بين متابعة دراسة الفلسفة وميله إلى الأدب الذي نمى في
السنوات الأخيرة لتخصصه بعد قراءة العقاد وطه حسين.
بدأ كتابة القصة القصيرة عام 1936 . وانصرف إلى العمل
الأدبي بصورة شبه دائمة بعد التحاقه في الوظيفة العامة.
تقلد منذ عام 1959حتى إحالته على المعاش عام 1971 عدة
مناصب حيث عمل مديراً للرقابة على المصنفات الفنية ثم مديراً لمؤسسة دعم السينما
ورئيساً لمجلس إدارتها ثم رئيساً لمؤسسة السينما ثم مستشاراً لوزيرالثقافة لشئون
السينما
عمل في عدد من الوظائف الرسمية، ونشر رواياته الأولى عن
التاريخ الفرعوني. ولكن موهبته ستتجلى في ثلاثيته الشهيرة ( بين القصرين، وقصر
الشوق، والسكرية) التي انتهى من كتابتها عام 1952 ولم يتسن له نشرها قبل العام
1956 نظرا لضخامة حجمها.
نقل نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء
القاهرة، فعبر عن همومها وأحلامها ، وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية.
كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في
المجتمع.
ولكن هذه الأعمال التي اتسمت بالواقعية الحية لم تلبث أن
اتخذت طابعا رمزيا كما في رواياته " أولاد حارتنا" و
"الحرافيش" و "رحلة ابن فطومة"و"اللص والكلاب".
بين عامي 1952 و 1959 كتب عددا من السيناريوهات للسينما.
ولم تكن هذه السيناريوهات تتصل بأعماله الروائية التي سيتحول عدد منها إلى الشاشة
في فترة متأخرة.
صدرله ما يقارب الخمسين مؤلفا من الروايات والمجموعات
القصصية وترجمت معظم أعماله إلي 33 لغة في العالم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق