الفينومينولوجيا
الفينومينولوجيا هي علم
الظواهر
(phénomènes) ،
وقد استعملت أولاً في ميدان علم النفس لتدل على الظواهر السيكولوجية (الرغبة،
الإدراك، الإحساس،…) ومظاهر الوعي في محتواه النفسي، والقائمة على ملاحظة ووصف
الظاهرة كما هي معطاة، بقصد تحليلها وتحديد خصائصها وفهمها على وجه الخصوص. وتعني
الفينومينولوجيا في إطارها الفلسفي والأنطولوجي تحديد بنية الظواهر وشروطها
العامة؛ بمعنى مشكل الظهور أو الانبثاق -لأية ظاهرة كانت- ذلك الانبثاق الذي يتصل
لأول وهلة اتصالاً مباشرا بالوعي . ويهتم علم النفس بـ”الوعي التجريبي” بينما تهتم
الفينومينولوجيا بالوعي “الخالص” .ولا تسعى الفينومينولوجيا إلى تفسير العالم من
خلال البحث عن شروطه الممكنة وإنما تهتم بتشكيل التجربة، كأول لقاء -أنطولوجي- بين
الوعي والعالم والذي يعتبر لقاءاً سابقا على كل تفكير حول هذا العالم.
وهناك ثلاثة أنواع من الاتجاهات في الفينومينولوجيا :
1 – الفينومينولوجيا النقدية مع كانط
(Kant) وهي تلك التي تسعى إلى تبيان الشروط الممكنة
للموضوعية تؤطرها بينة الذات “Sujet” والتي تحدد بالمقابل حدود
المعرفة التي تجد نفسها في مواجهة فكرة “المطلق”.
2 – فينومينولوجيا المظاهر (apparences) التي يحددها مراتب ظهور الكائن عند هيجل (Hegel) ومساره الأنطولوجي
نحو المعرفة المطلقة.
3- فينومينولوجيا التأسيس (Ursprung)وهي التي تبحث عن الشروط الممكنة لكل تفكير أو
تعبير أو تدبير وخلافا لتجليات الكائن عبر مراحل أنطولوجية يبتغي من ورائها الفكر
المطلق، يطرح هسرل فينومينولوجيا التأسيس التي تبحث عن قاعدة أو دعامة تنبثق من
خلالها، أو تتأسس بموجبها، أو ترى الوجود على إثرها كل ظاهرة معينة. فمشكلة
الفينومينولوجيا هي مشكلة النشوء أو التكون (genèse) لا بالمعنى
البيولوجي لتكون الجنين أو نشوء الكائنات لكن بالمعنى الذي يجعل من الظاهرة، ظاهرة
ذات ماهية وقابلة لتلقي المعنى الذي يضفيه الوعي عليها في أول لقاء له بها. من هنا
كان معنى الظاهرة أيضا هو معنى “التشكيل” أو “إضفاء الشكل أو الصورة” (mise en forme) وذلك أن الظاهرة، بالمعنى الأرسطي، هيولى وصورة (hylè/morphè). فالظواهر
تتميز عن بعضها البعض بالصور أو الأشكال وإن كانت تشترك أحيانا في المادة. فالمادة
الأولى (materia
prima) عبارة عن احتمالات (potentialités) غير محددة
ولكنها تتحدد بالمواد الثانوية التي تفصل بين مختلف خصائص هذه المادة.
هذا الاختلاف بين صور الظواهر هو محل الإشكال الذي طرحته
الفينومينولوجيا: كيف يمكننا التمييز بين الظواهر بأية وسيلة يمكننا الحكم على أن
الظاهرة (أ) تختلف عن الظاهرة (ب)؟ باختصار يتبلور الإشكال في الفكر
الفينومينولوجي كما يلي: ماذا يعني أن نضفي “المعنى” على الظواهر حتى يمكننا الإقرار
بالاختلاف الكائن بينها؟ فمشكل الفينومينولوجيا يتجلى في مسألة “معنوية” (Signifier) الظواهر. وهذا المعنى الذي يسنده الوعي إلى الظاهرة في أول لقاء بينهما
ليس هو نتاج تخمينات ينسجها هذا الوعي حول الظاهرة المعطاة أمامه، بل إسناد للمعنى
يسبقه “إدراك” الظاهرة. والإدراك هو مجموع الدلالات التي يضفيها الوعي على
الظاهرة، هو صياغة “الصورة” (forme) لظاهرة معينة بعدما كانت غير
محددة المعالم وغير متميزة الأحكام. بهذه الصياغة، تكتسب الظاهرة دلالة معينة أي
تتحلى بماهية تخصها. تختص إذن الفينومينولوجيا بصياغة صور الظواهر من خلال إضفاء
المعاني والدلالات عليها وإكسابها ماهيات تعبر عن خصوصيتها وتميزها. ومراحل
الصياغة والدلالة هي مراتب الالتقاء بين الوعي والأشياء الكائنة خارجه. فالروابط
-الأنطولوجية والدلالية والصورية- بين الوعي والشيء كظاهرة هو الذي يحدد موضوع
الفكر الفينومينولوجي بامتياز. بتعبير آخر، يتشكل المعنى من التوجه الذي يباشره
الوعي تجاه موضوعه وهو ما يسميه هسرل بـ”القصدية” (intentionnalité) وهي
نمط العلاقة التي تربط الوعي بمضمون الظاهرة كتحديد لماهية “الظواهر” أو “الأفعال
النفسية”، فالوعي هو دائما الوعي “بـ” شيء ما (conscience “
تطرق ميرلو بونتي في آخر كتاب له "العين
والروح" – 1960- إلى العديد من الأسئلة التي كانت حاضرة في كتابه
فينومينولوجيا الإدراك" 1945- phénoménologie de la
perception،
وهي نفس النظرة التي تتطرق إلى الرؤية والعلاقة التضادية بين الموضوع والشيء المتواجهيْن
كمكونين مختلفين، مع استحضار بعدهما من خلال الرؤية التي تحدد هوية كل من الجسد
والعالم في تمازجهما ليصبحا واحدا مركبا : جسد- عالم، وبذلك يصبح الجسد غير مستغني
عن العالم وبدوره يصبح العالم منصهرا كليا في الجسد،يقول: " وتجربة الجسد
تصبح هنا تجربة اللاقطيعة بين الأشياء والأنا". فاللغز الذي يتمحور حوله فكر
ميرلو بونتي يجعل الجسد من جهة ناظرا، ومن جهة أخرى منظورا إليه، فهو الجسد الذي
يتطلع إلى كل الأشياء ومن خلال النظر إليها يتعرف على الجهة الأخرى في قوتها
الناظرة.
الانطولوجيات:
مصطلح انطولوجيا له تاريخ طويل في مجال الفلسفة، ويتضمن
دراسة الموجودات أو ما نفترض أنه موجود من أجل الوصول المقنع أو القاطع إلى
الحقيقة.
وحديثاً أخذ المصطلح يستخدم لفئات الأشياء التي قد توجد
في ميدان معين وللإشارة إلى المعرفة المشارك فيها من قبل أشخاص يعملون في ميدان
معين. وبكلمات أخرى فهي بيان منهجي أو نسقي للكيانات وعلاقاتها الموجودة في ميدان
معين. وفي العقد الأخير استخدمت الكلمة في مجتمع علم المعلومات للدلالة على كتل
البناء ((blocks building) وهي عبارة عن كتل معرفية وهي مجموعة من مصادر
المعلومات في مختلف التخصصات قدتكون الكتل مادية هي الملموسة والمحسوسة، وقد تكون
افتراضية) التي تستخدم لمساعدة الحاسبات والبشر في المشاركة في المعرفة.
ويرى المؤلفون أنه لا توجد مشكلة في مد أو توسيع تعريف
اللغة المضبوطة للاشتمال على ذلك نوع معين من الضبط الذي يحضر معاً المفاهيم ويظهر
العلاقات بينها دون تحديد مصطلح واحد على أنه المصطلح المعتمد أو المفضل. وذلك هو
النوع نفسه من إعادة التعريف الذي يحدث مع الضبط الاستنادي للأسماء.
وعموماً فإنه في مجال علم الحاسب وعلم المعلومات نجد أن
الانطولوجيا هي تمثيل رسمي لمجموعة من المفاهيم ضمن ميدان معين فضلاً عن العلاقات
بين هذه المفاهيم.
وتستخدم الأنطولوجيات في الذكاء الاصطناعي، والويب
الدلالي، وهندسة النظم، وعلم المكتبات، وبناء المعلومات بوصفه شكلاً لتمثيل
المعرفة عن العالم أو جزء منه.
والانطولوجيا قد تكون بسيطة مثل مكنز بتعريفات، أو قد
تكون تقسيماً أو تصنيفاً هرمياً أكثر تعقيداً للمفاهيم والفئات أو بوصفه حلاً
تكنولوجيا للمشكلات القائمة على الدلالة للمشاركة في المعلومات.
أهداف الانطولوجيا:
1- تحدد طبيعة
الواقع أو تعرّفها بتحديد المفاهيم والكيانات والمصطلحات والفئات في ميدان معين من
أجل نمذجة العلاقات بينها أو صياغتها.
2- نشأت لجعل
الغموض المفاهيمي والدلالي في حده الأدنى في بيئة معلوماتية وتكنولوجية.
3- مفيدة في
تعزيز قابلية التشغيل التبادلي بين الأنظمة في الميادين المعرفية المختلفة، أو
لإنشاء الوكلاء الأذكياء الذين يمكنهم إنجاز أعمال معينة، وكلاهما من أغراض الويب
الدلالي.
4- إن
الانطولوجيا التي تعمل من أجل تنظيم الوثائق واسترجاعها ينبغي أن تصيغ واقع
استخدام اللغة من أجل الاتصال أو تشكله. وهذه يطلق عليها أحياناً الانطولوجيا
اللغوية، وتشمل مسائل النحو، والدلالة، وبناء الجملة، وما شابه.
تقسيم الانطولوجيا:
1. على
أساس التطبيق وهي نوعان:
النوع الأول هو انطولوجيا الميدان المحدد، وهو يمثل
المعاني المحددة للمصطلحات، كما تنطبق في ذلك الميدان.
أما النوع الثاني فهو الانطولوجيا العامة والتي تمثل
المعرفة الممتدة عبر الميادين، وهي نموذج للأشياء العامة التي تنطبق عموماً عبر
مدى عريض من أنطولوجيات الميادين.
2. في
تركيبة وبناء الانطولوجيا:
1- تقسيمات
(أي تصنيفات أو درجات هرمية) للمصطلحات في مجال موضوعي ضيق.
2- مواصفات
لمجموعة الخواص المفاهيمية، وعلى سبيل المثال فخطط الميتاداتا هي انطولوجيات تحدد
العناصر التي تستخدم أو تخصصها، وماذا تعني العناصر، وما هي أنواع الصفات المميزة
أو الخواص والقيم التي يمكن أن تكون لدى تلك العناصر.
3- مصطلحات
مضبوطة فئوياً، وهذه تشمل التحليل الدلالي للكلمات واضعة لها في فئات، مثل:
الأسماء، والأفعال، والصفات، والظروف كما في Net Word، وهذا عكس قوائم رؤوس
الموضوعات والمكانز التي تميل إلى إعطاء صيغ الأسماء بالنسبة إلى المصطلحات
المحتواة فيها فقط.
وإذا كان الويب الدلالي يتطلب أن تكون المصطلحات لها معنى
واضح حتى يمكن للآلات أن تعالج المعلومات الموجودة على الويب أو تجهزها
أوتوماتيكياً؛ فإن الانطولوجيات هي التي تقدم مثل هذا المعنى، وهي كتل البناء
للويب الدلالي
لتستخدم مع Extensible Markup) XML
(Language
وخطط XML و RDFوخطط RDF (Resource Describe Framework). والأنطولوجيات مهمة إذا كان الوكلاء على الويب
قادرين على البحث و/ أو الدمج للمعلومات من تجمعات متنوعة، وذلك لأن المصطلح نفسه
قد تستخدم في سياقات مختلفة بمعان مختلفة، وأن المعنى نفسه قد يمثل بمصطلحات
مختلفة في سياقات مختلفة.
ومن الأمثة على الانطولوجياUMLS
System Language Medical Unified هذا النظام لا يسمي نفسه انطولوجيا، ولكن له خصائص كثيرة تميز بين
الانطولوجيات والمكانز أو تفرق بينهما.
يتكون من 3 مصادر معرفية:
مكنز علوي: وقد ضم مع المصطلحات أكثر من 100 من قوائم
المصطلحات التصنيفات في المجال الأحتياطي رابطاً كثيراً من الأسماء المختلفة
للمفاهيم نفسها دون تحديد أيها يعد المصطلح المفضل.
ومعحم: يحتوي على معلومات الإعراب للكلمات بما فيها
الأفعال التي لا تظهر في المكنز العلوي.
وشبكة دلالية: تحتوي على معلومات حول الفئات للمفاهيم
التي حددت في المكنز، وتصف العلاقات بينها.
المفهوم العام للانطولوجيا
الانطولوجيا أو علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، وهو العلم
الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى
بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل
تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك، وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا
أو ما وراء الطبيعة. فهو نسق من التعريفات الكلية التأملية في نظرية الوجود عامة.
وكان "أرسطو" في القرن الرابع قبل الميلاد، أول من أدخل مفهوماً عن مثل
هذه النظرية التي عنى بها العلم حول أعم قوانين الوجود "علم الوجود بما هو
موجود".
يعود مصطلح الانطولوجيا إلى أصل يوناني من onto
وتعني الوجود، وlogie أي العلم. وقد ورد هذا المصطلح أول مرة سنة
1613م، في القاموس الذي ألفه "رودولف غوكلينيوس" (Rudolf
Goclenius).
وأول من استخدم هذا المصطلح عنواناً لكتاب هو
"كريستيان فون وولف" (hristian Von Wolff) الذي عاش بين 1679م -
1754م، في القرن الثامن عشر. ولا تكمن صعوبة تحديد مجال الانطولوجيا في حداثة
المصطلح وحدها وإنما ترجع إلى الشكوك التي ترافق كلمة الوجود منذ أن استخدمها
"بَرمنيدس" (Parménide) وقد حاول "أفلاطون" أن يبحث عن
الوجود الثابت والخالد في المُثُل، مضحياً بالوجود الحسي المتغير والزائل. ومع أن
"أرسطو" لم يوافق "أفلاطون" على التجريد الذي تتصف به المُثُل
فإنه ربط كأستاذه الوجود بالمعرفة، بل أصبح تعريف الوجود لديه مدخلاً لكل علم
ممكن.
وإلى جانب الصعوبات اللغوية التي تثيرها كلمة الوجود في
اللغة اليونانية وكذلك في اللغة اللاتينية واللغات الأوربية، فإن مفهوم الوجود
ومعناه يثيران مع تقدم العلم إشكالات جديدة. ويذهب "بول ريكور" إلى عَدّ
السؤال المُنصبّ على الوجود سؤالاً متجدداً، ينهل من معين لا ينضب، لأن السؤال يظل
أبداً أكبر من كل الإجابات.
نجت فلسفة "أفلاطون" من مشكلة التفريق بين
الوجود والماهية التي ابتكرها "أرسطو" لاحقاً، وقد ورث الفلاسفة العرب
هذه المشكلة، مشكلة أصالة الماهية والوجود، عن الفلسفة اليونانية، وخضعت لها فيما
بعد الفلسفة الوسيطة في الغرب اللاتيني.
في البداية، لاحظ "أرسطو" أن: "الوجود
يقال على أنحاء متفرقة"، واضطر إلى التفريق بين الوجود والماهية للوصول إلى
ما هو "جوهر" في الأشياء وما هو "عرض". كذلك فرق بين الوجود
بالفعل وبين الوجود بالقوة، وتوصل إلى أن الفلسفة الأولى هي التي تتناول بالدراسة
"الجواهر المفارقة للمادة"، وأعلى أنواعها الجوهر الأول وهو الله.
وهذه فلسفة إلحادية أوقعت المسلمين في دهاليز علم الكلام
الذي أخرج لنا الفرق الكلامية مثل المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من تلك الفرق التي
اتبعت العقل قبل النص.
وأهم الصعوبات التي تعرضت لها الانطولوجيا في الحقبة
اليونانية تعود إلى الاستخدام غير الدقيق لفعل الكون. فمنذ أن وضع
"أرسطو" فعل الكون في كل مكان "بدلاً من أي فعل"، اضطر
المناطقة إلى التفرقة بين وظيفة فعل الكون بوصفه رابطة منطقية من جهة وبين المعاني
اللغوية العادية من جهة أخرى. فقد رأى "كَنت" في القرن الثامن عشر أن
هناك نوعين من استخدام فعل الكون، فإضافة إلى استخدامه رابطة يمكن استخدامه
"محمولاً" كذلك فرق الفيلسوف الفرنسي "أندريه لالاند" صاحب
"موسوعة لالاند الفلسفية" حديثاً بين معنى مطلق لفعل الكون وبين معنى
نسبي، ولكن هذا لم يمنع الفلسفة من استخدام فعل الكون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق