الحضارة الحديثة وتغير القيم
الإشكالية
* ما هي الآثار السلبية للحضارة المعاصرة؟
* ما حظ القيم الروحية في الحضارة المعاصرة؟
الفرضيات
تميز الحضارة الإسلامية عن الغربية بالقيم الروحية، أساسها الرحمة
والعدل
* والمساواة توافق القيم الإسلامية مع الحضارة الحديثة باعتبارها قيم
إنسانية
النصوص
النص الأول
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)}. سورة الحجرات
النص الثاني
﴿ إن مصدر
القيم الإسلامية الوحي ، ولذلك فهي قيم ثابتة تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه
ومكانه وزمانه ونوعه، أما مصدر القيم الأخرى فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق
عليه الناس في المجتمع ـ العرف ـ ولذلك
فهي متغيرة من مجتمع إلى آخر ومن مفكر إلى آخر. ﴾
الأخلاق في الإسلام أسامة سليمان مجلة التوحيد ـ العدد : 47 يناير 2006
مضامين النصوص
النص الأول :خلق الله
الإنسان من أجل تحقيق وظيفته الوجودية حيث يتفاضل الناس عند الله تعالى بالتقوى
القائمة على القيم الإنسانية التي هي في الأصل قيم إسلامية
النص الثاني: يبين النص
ضرورة التمييز بين القيم الإسلامية المنبثقة عن الوحي والتي مصدرها العقل البشري
المحدود الإدراك و قيمه خاضعة للتغيير والتبديل من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر في حين
أن القيم الإسلامية التي مصدرها خالق العقل البشري فهي ثابتة صالحة لكل زمان ومكان
التحــلــيــل :
مفهوم الحضارة والقيم
مفهوم الحضارة
الحضارة لغة هي الإقامة في الحضر واصطلاحا مجموع المفاهيم
والقيم والعقائد والقوانين والمبادئ والعادات التي توجه حركة مجتمع ما ونشاطه.
والحضارة الإسلامية هي إرث مشترك بين جميع
الشعوب والأمم التي انضوت تحت لوائها والتي هي نتاج تلاقح ثقافاتها وانصهارها في
بوتقة المبادئ والقيم والمثل التي جاء بها الإسلام لهداية الناس كافة.
ويرتبط مفهوم الحضارة الحديثة بمنظومة القيم التي أسست
للتقدم التكنولوجي ودفعت إلى تطورالمعارف والعلوم وغيرها التي ميزت المجتمعات
الصناعية الحديثة التي يمثلها الغرب
مفهوم القيم
هي مجموع التصورات والتمثلات التي يحملها المجتمع نحو الأشياء والمعاني والتي تعمل على توجيه
رغباته وسلوكاته نحوها ،وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض
ونقصد بالقيم الإسلامية التصورات المضبوطة بالضوابط
الشرعية المرتبطة بأحكام الإسلام التي توجه إلى السلوك الإيجابي في المواقف
المختلفة وإلى التمييز بين الخير والشر.
علاقة القيم بالحضارة
تختلف وتتنوع منظومات القيم باختلاف الحضارات التي تحتضنها، فالحضارة الإسلامية تقوم على قيم ثابتة لثبات مصدرها، أما الحضارات
التي مصدرها اجتهادات البشر فقيمها تتغير بتغير مرجعيتها الفكرية ومنها الحضارة
الحديثة التي عرفت تغير قيم العفة مثلا ،
فالحضارات الإنسانية تختلف باختلاف مصدرها
، فالتي تطغى عليها التوجهات المادية ينعكس ذلك في منظومات قيمها وتضعف فيها
الجوانب الروحية والعكس صحيح .
إن بناء الحضارة لا يقوم على القيم المادية لوحدها ولا
الروحية لوحدها ,لذا فالحضارة الحديثة لم تحقق للإنسان السعادة والطمأنينة, بل أدت
إلى افتقاد عدد من القيم الإنسانية . أما الحضارة الإسلامية فقد امتازت بالجمع بين
ما هو مادي وما هو روحي بشكل متوازن لقوله تعالى{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77) }. سورة القصص
إذن فعلاقة الحضارة بالقيم هي علاقة تأثير و تأثر.
أثر الحضارة الحديثة في القيم
أثرت الحضارة الحديثة سلبا على معظم المجتمعات من حيث
تغير القيم باعتبار الحضارة الحديثة التي تقوم على القيم والمنفعة المادية قد أبعدت القيم الأخلاقية والدينية عن العلم
،فعلى مستوى الإعلام مثلا والذي يعد إنجازا ذا فائدة على الإنسانية ، له سلبيات
تهدد قيم المجتمعات، فالفضائيات التي أصبحت تغزو جميع البيوت وخاصة الفضائيات
المنحلة لا تعير اهتمام للقيم الأخلاقية لأن الإعلام في الغالب بني على المنفعة
المادية .
إذن فالتطور التكنولوجي يدمر البيئة و يتسبب في شقاء
المجتمعات ،مثالا آخر ما يعرف بالاستنساخ والذي تم على العديد من الحيوانات مما
دفع ببعض الباحثين المختصين في علم الأجنة إلى الدعوة بقبول استنساخ الكائن البشري تحت شعارات كذابة
وخادعة متجاوزة بذلك القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، إذن فجانبا من الحضارة
الحديثة مناف للقيم ويمكنها أن تغرس قيما مادية جديدة مكان القيم الخلقية الأصلية
إما باسم التقدم العلمي أو خدمة للإنسانية.
كيف يمكن أن نحافظ على قيمنا في ظل الحضارة الحديثة
إن الإنسان اليوم يمكن أن يستثمر التكنولوجيا المعاصرة ما
يحقق مصالحه ويحفظ كرامته دون أن يمنعه من عبادة الله و يحافظ على قيمه من
برالوالدين واحترام الجار وغيرها مما يتفق والمرجعية الدينية والإنسانية
والأخلاقية ، ولو قامت المجتمعات بالجمع بين هذه القيم والحضارة الحديثة لحققت
مراد الله من عمارة الأرض وإسعاد البشرية بدل تدميره كما نلاحظ من خلال المنتجات
السلبية للحضارة الحديثة.
المجتمعات الإسلامية بين الأمس واليوم في علاقتها
بقيمها
إن الملاحظ في عصرنا الراهن تخلي المجتمعات الإسلامية عن
العديد من قيمها وإتباعها لقيم الحضارة
الحديثة ومثال على ذلك:
بر الوالدين: فهذه
القيمة التي لها دور في التماسك الأسري
والتضامن الاجتماعي تراجعت إلى حد أصبحنا نرى صورا من العقوق بدءا بقطع الصلة
بالوالدين إلى الضرب و القتل فضلا عن التهميش والإهمال هذا في الوقت الذي يعد
برالوالدين واجبا شرعيا لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ
لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)} سورة الإسراء
احترام الجار: أصبح الجار
لا يهتم بجاره ولا يعيره اهتماما مما يجعل لحمة التضامن الاجتماعي ضعيفة
والاستئثار بدل الإيثار ، في حين نجد أن احترام الجار والاهتمام بشؤونه من
الواجبات الشرعية ما يدل عليه قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا(36) }
سورة النساء
وقوله عليه السلام:
{ مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه }أخرجه البخاري
وقد ورد في بعض الأثر أن حرمة الجار تمتد إلى سبعين بيتا
، فما حظ الأمة اليوم من قيمها، وهل يعني مواكبة العصر التخلي عن القيم الدينية
والانفتاح الحضارة الحديثة بخيرها وشرها كما أصبحنا نلمسه اليوم ؟
خصائص القيم
تتميز القيم بعدة خصائص هي :
1- انها
ذاتية : حيث يوجد عنصر مشترك بين جميع التعاريف المختلفة للقيم وهو العنصر
التقديري الشخصي ، اذ ان القيمة تتضمن معاني كثيرة كالاهتمام ، او الاعتقاد ، او
الرغبة ، او السرور ، او اللذة ، او الاشباع ، او النفع ، او الاستحسان او
الاستهجان ؛ وكل هذه المعاني تعبر عن عناصر شخصية وذاتية يحسها كل منا على نحو خاص
به وهي عناصر وجدانية وعقلية غامضة تعتمد على الشعور الداخلي للشخص وتأملاته
الباطنية ومزاجه وذوقه وهو ما يجعل القيمة غير خاضعة للقياس .
2- انها
تقوم على الاعتقاد : يمكن تعريف القيم بأنها الاعتقاد إن شيئاً ما ذو قدرة على
اشباع رغبة انسانية وهي صفة الشيء التي تجعله ذا اهمية لفرد او جماعة . والقيمة
بالتحديد مسألة إعتقاد فالشيء ذو المنفعة الزائفة تكون له القيمة نفسها كما لو كان
حقيقياً الى ان يُكتشف هذا الخداع . وهكذا اكد هذا التعريف على عنصر الاعتقاد وان
له اهمية لأن القيمة مسألة إنسانية وشخصية وليست شيئاً مجرداً مستقلاً في ذاته عن
سلوك الشخص ، بل هي متغلغلة فيه لأنها تنبع من نفسه ومن رغباته لا من الاشياء
الخارجية .
3- انها
نسبية : أي انها تختلف عند الشخص بالنسبة لحاجاته ورغباته وتربيته وظروفه ،
كما لا بد ان تختلف ايضا من شخص الى اخر ، ومن زمن الى اخر ومن مكان الى اخر ومن
ثقافة الى ثقافة ومن شعب الى اخر ؛ ولا يوجد مقياس معين شامل وعام نستطيع ان نقرر
قيمة معينة ونعممها على جميع المجتمعات . اذ ان المجتمعات والشعوب تختلف في
احكامها القيمية ، فقد تكون نظرتنا الى جمال المراة هي ان تكون بيضاء ملفوفة
القوام رشيقة الحركة ؛ الا ان مقياس الجمال في بلد اخر ان تكون سوداء لامعة كالفحم
. ومعنى هذا ان القيمة نسبية لا يمكن ان تُفهم الا في المجال السلوكي وفي الاطار
الثقافي الذي يعيش فيه الفرد .
4- انها
تُرتب نفسها ترتيباً هرمياً : فتهيمن بعض القيم على غيرها وتخضع لها ؛ فكل انسان
يحاول ان يحقق كل رغباته ولكنه لا يستطيع ذلك فنجده يحاول ان يُخضع بعضها لبعض ،
فيخضع الاقل قبولاً عند الناس للأكثر قبولاً تبعاً لترتيب خاص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق