التعبير التشكيلي
اختلفت اساليب التعبير الفني في الفنون التشكيلية، علىالمدى الطويل الذي
امتدت فيه النتاجات التعبيرية التشكيلية من حقبات ما قبل التاريخ الى الوقت
الحاضر، لو استعرضنا النتاجات التشكيلية عامة، نجد ان الفنان التشكيليى كان ،
وبشكل من الاشكال، يحاول المحافظة على خصوصيته في التعبير التشكيلي وكذلك على
القانون الخلقي-الادبي الذي شرعه لنفسه
في استعراض النتاجات
التشكيلية على مر العصور، ومن مختلف الحضارات،وتدقيق النظر فيها لغرض معرفة المادة الاساسية التي
استند عليها الفنان في استلهاماته الفنية، والتي كانت المحور و الركن الاساسي في
تعبيره الفني طوال مراحل انتاج الاعمال التشكيلية، نجد ان جسم الانسان كان الهاجس
الاول والمهم كمادة –وموضوع
وفي فترات الماقبل
التاريخية، والتي فيها ارتبط الانسان بخصوبة الارض، كمحاولة وكرمز للبقاء والديمومة، نجد انه اهتم بالاجزاء
البدنية التي ترتبط بالخصوبة سواء كانت انثوية او ذكورية(1(صورة الالهة الام)،
وبالغ في تصويرها وركز
وباستمرار التقدم
الفكري والمادي بكل ابعاده للانسان والمجتمع، اخذ الشكل البشري يصور بكثير من
الدقة ويعطى اهمية خاصة في اشكال التعبير التشكيلي، واتسمت الاعمال للفترات
المختلفة بسمات ومميزات خاصة بها، وهذه المميزات ارتبط كلها بالفكر السائد في تلك
الفترة ، اذ صورت النتاجات التشكيليةهموم الناس بكل وضوح، كما
وانها ارتبطت بالفلسفة التي كانت تسود المجتمع وعبرت عنها، وماكبر حجم ووسع عيون الالهة السومرية ونحافة اصابعها الا مثل
حي على تصوير دقيق وحي لفكر كان يطغي على حضارة برمته
اهتمت الحضارات السابقة للفترة الاغريقية
بتصوير الحس الروحي والبعد المافوق
واقعي، وجسدت جسد الانسان وفقا
لعوالم الغيب، واستعارته وحورته ليناسب عوالم الالهة والمجهول والسحر والخيال اللامحدود والمافوق
الطبيعي والواقعي. ولكن لو استعرضنا
النتاجات التشكيلية للحضارة الاغريقية فسنجد انها اخذت منحا اخر، اذ في تلك الفترة
وفي هذه البقعة الارضية بالذات وكنتيجة لنمو اجتماعي واقتصادي وسياسي وحضاري, بدات
العمارة تاخذ اهتمام السلطةالفكرية والمدنية وتعبر عن القوة الارضية والسماوية
وبتطور فن العمارة تتطور بقية الفنون والصناعات وفي هذه الحقبة التاريخية، اصطبغ
جسم الانسان بابعاد جديدة تماما، واقعية بحته لا يمسها الخيال المرهف والحس
الشاعري الاسطوري الذي عرفناه في الحضارات الماقبلتاريخية، او التي تلتها من سومرية اواسيوية وافريقية.
اخذ جسم الانسان يصور
بدقة متناهية ويعبر عن ابعاد ومفاهيم جمالية تتناسب مع قيم ومفاهيم الحضارة
الاغريقية. فكان جسم الانسان هو الهيكل المعماري الذي يضاهي ويتماهىمع الهياكل
المعمارية المبنية للعبادة، فالسيقان اعمدة قوية راسخة تسند الجذع المسطح القوي
الذي يعبر عن جسم المبني (3صورة لتمثال اغريقي)*
اتسم جسم الانسان في تلك الفترة بالكمال وفق الاستطيقا او علم الجمال
المتعارف عليه، والذي يصور الكمال التام ولم يكن الاغريق يقلدون او يتشبهون بالواقع بل كانوا يحسنونه ويشذبونه
ويهذبونه ويضيفون علية صفات من النادر ان تجتمع في انسان واحد، ويفال ان تمثال
فينوس ربة الجمال استند على خمس موديلات نسائية اذ لا يمكن لأمرأة واحدة ان تجمع
كل هذه الصفات والمقايس البدنية المثالية.
لم تعامل النتاجات الفنية في الفترة الاغريقية على انها مادة تصور البشر
بل كانت تفسرعلى انها (تصميم
design للبشر) وفق متطلبات عصر كان مهوس بالكمال الجسماني، والقوة
البدنية، وطغت فلسفة العقل السليم يجب ان يكون في جسم سليم، وما فكر وحضارة اسبارطة الا خير مثال على الفكر
الذي طغى على الحضارة الاغريقية.
والفنان الاغريقي كان اداة فعالة في نقل الصورة المطلوبة،وهي ان الجسم
والروح واحد وكلاهما يجب ان يبلغا الكمال والسمو التام. ساهم الفنان التشيكيلي في
تعزيز هذا الفكر، وبالغ الى اقصى مدى في اظهار اهمية ان يكون جسم الانسان كاملا،
وهذا يبدو واضحا في الاعمال التي وصلتنا من تلك الفترة منها المزهرية التي تصور رجال يمارسون العاب القوى
لأجل البلوغ باجسامهم الى المستوى اللأئق بهم وهم يناقشون ويحاججون رجلا بدينا.
ولأ جل ايصال هذه
الفكرة بشكل فعال ومؤثر، كان لابد من تصوير الجسم البشري عاريا تماما ليبدو على
حقيقته، واخذ الاغريق يبالغون في تصوير العري واقرنوه بالمتعه والسامي المقدس.
وبما انهم كانوا يؤمنون بان الجسد والروح وحدة متكاملة لذا استخدموا
اكثر الوحدات الحسية وهي الجسد العاري للتعبير عن الكمال والسمو ببعديه
الروحي والمادي،و بتوظيف الجسد وتنفيذه بشكل لا يمكن ان يدرك او ينال او يشتهى، وتنفيذة بحساب رياضي
دقيق جدا ، يصل الى حد المعادلة الموزنة المتقنة الصحيحة وكذلك تجريده من الخوف و
من المجهول واسباغ صفات الحلاوة والطرواة عليه، ليكون هذا الجسم بالنهاية صورة حية حقيقية ومثلى لللألهة التي هي مبعث
الحياة والجمال ولابعاد فكرة القبح الفناء
والموت عنها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق