الشعر الحر
تعريف الشعر الحر ( هو شعر ذو شطر
واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا
التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه ) .
ثم تتابع نازك قائلة ” فأساس الوزن في الشعر الحر أنه
يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد
التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام
التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا
النسق :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق
القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل
، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة
ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير ، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما
على بحر معين وليكن ” الرمل ” مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر
وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت
التقليدي والقافية الموحدة . وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من
حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية .
وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى
بعض النقاد أن نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد
التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا.
مسميات الشعر الحر وأنماطه :
لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية
له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ،
فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم " الشعر المرسل
" " والنظم المرسل المنطلق " ranning blank
veres و " الشعر الجديد " و " شعر
التفعيلة " أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى " الشعر الحر "
ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي
" بالغصن " مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ،
لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا في الطول طبيعيا كما هي الحال في أغصان
الشجرة وأن للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية والمشابه
الفنية .
أما أنماطه فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س .
مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من
النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر فيما بين عامي 1926 م ـ 1946 م وها هي
بتصرف .
النمط الأول
:استخدام البحور المتعددة التي تربط بينها بعض أوجه الشبه في القصيدة الواحدة ،
ونادرا ما تنقسم الأبيات في هذا النمط إلى شطرين . ووحدة التفعيلة فيه هي الجملة
التي قد تستغرق العدد المعتاد من التفعيلات في البحر الواحد أو قد يضاعف هذا العدد
وقد اتبع هذه الطريقة كل من أبى شادي ومحمد فريد أبي حديد .
النمط الثاني
: وهو استخدام البحر تاما ومجزوءا دون أن يختلط ببحر آخر في مجموعة واحدة مع
استعمال البيت ذي الشطرين ، وقد ظهرت هذه التجربة في مسرحيات شوقي .
النمط الثالث
: وهو النمط الذي تختفي فيه القافية وتنقسم فيه الأبيات إلى شطرين كما يوجد شيء من
عدم الانتظار في استخدام البحور ، وقد اتبع هذه الطريقة مصطفى عبد اللطيف السحرتى
.
النمط الرابع
: وهو النمط الذي يختفي فيه القافية أيضا من القصيدة وتختلط فيه التفعيلات من عدة
بحور ، وهو أقرب الأنماط إلى الشعر الحر الأمريكي ، وقد استخدمه محمد منير رمزي .
النمط الخامس
: ويقوم على استخدام الشاعر لبحر واحد في أبيات غير منتظمة الطول ونظام التفعيلة
غير منتظم كذلك ، وقد استخدم هذه الطريقة كل من علي أحمد باكثير وغنام والخشن .
وهذا النمط الأخير من أنماط الشعر الحر التي توصل إليها
موريه هو فقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات ، والذي
نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته الفعلية لنازك
الملائكة ومن جاء بعدها ، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل
الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله .
سمات الشعر الحر
الشعر الحر له سمات عدة ،، من أهمها:
1. أنه موزون:
فلو لم يكن موزونا لما جازت تسميته شعرا.
2. يعتمد
التفعيلة وحدة للوزن الموسيقي، ولكنه لا يتقيد بعدد ثابت من التفعيلات في أبيات
القصيدة.
3. أنه يقبل
التدوير: بمعنى أنه قد يأتي جزء من التفعيلة في آخر البيت، ويأتي جزء منها في
بداية البيت التالي.
4. عدم
الالتزام بالقافية: إذ تتعدد فيه حروف الروى مما يفقده الجرس الموسيقي العذب.
5. استعمال
الصور الشعريةالتي تعمق التأثير بالفكرة التي يطرحها الشاعر.
6. اللجوء إلى
الرمزية التي يموه بها الشاعر على مشاعره الخاصة أو ميوله السياسية. وقد يصعب على
القارئ إدراك المقصود من القصيدة.
رواد هذا الشعر
ومن أول رواد هذا الشعر
بدر شاكر السياب
ونازك الملائكة.
نشأة الشعر الحر ودوافعه ومميزاته :
تقول نازك
الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق ، ومن العراق ،
بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، وكادت
بسبب الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، وكانت أولى قصيدة حرة
الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " ، تم قصيدة " هل كان حبا
" لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ن وكلا القصيدتين نشرتا في عام
1947 م .
عير أن نازك وغي مقدمة كتابها " قضايا
الشعر المعاصر " الذي نقلنا منه النص السابق ، تعترف بأن بدايات الشعر الحر
كانت قبل عام 1947 م فتقول : " في عام 1962 م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن
الشعر الحر قد طلع من العراق ، ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم
قررت هذا الحكم أدري أن هناك شعرا حرا قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 م ،
سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا " ، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة
معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 م ، وهو أمر عرفته من
كتابات الباحثين والمعلقين ، لنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها ، وإذا
بأسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم على أحمد باكثير ، ومحمد فريد أبي
حديد ، ومحمود حسن إسماعيل ، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم .
وعبثا تحاول نازك بعد أن ايثقنت أن أوليات
الشعر الحر لم تكن لها ، وذلك باعترافها الذي دوناه سابقا ـ أن تجعل موطن الشعر
الحر هو العراق ـ وإن كان ذلك لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على نشأة أي عمل
أدبي أن يكون من العراق ، أو من مصر ، أو من الحجاز ، أو غيرها من أقطار الوطن
العربي ، وإنما الغرض هو تصحيح مسار النشأة وتاريخها ليس غير ـ فتقول نازك "
ثم أن الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه النقد الأدبي الحديث في العراق
قصيدة من الشعر الحر عنوانها " بعد موتي " نشرتها جريدة العراق ببغداد
سنة 1921 م تحت عنوان النظم المطلق ، وفي تلك السن المبكرة من تاريخ الشعر الحر لك
يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه ، وغنما وقع ( ب ن ) " ثم تذكر نازك جزءا من
القصيدة ، وتعقب قائلة : " والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر " ،
وقد أحسنت نازك عندما قالت ( والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر ، لأنها حينئذ
لم تجزم بأقدمية النص ، وبالفعل أثبتت الدراسات الأدبية بأن هذا النص لم يكن أقدم
نص ، وإنما هناك ما هو أقدم منه إن لم يكن في نفس الحقبة الزمنية . ـ وسوف نتحدث
عن ذلك النص الشعري في موضعه عند حديثنا عن الشعر الحر عن الشعراء السعوديين إن
شاء الله .
ثم تحاول نازك مرة أخرى نفي تلك البدايات ن
فتطرح سؤالا تبرز من خلال إجابته أن تلك البدايات غير موفقة ، أو لم تخضع لشروط
ومواصفات معينة سنعرفها فيما بعد ، فتقول : " هل نستطيع أن نحكم بأن حركة
الشعر الحر بدأت في العراق سنة 1921 م ، أو أنها في مصر سنة 1923 م .
وبالفعل أن ما توصلت إليه نازك من خلال
إجابتها بنفسها على سؤالها المطروح آنفا يؤكد من جانبها نفي الحكم عن بدايات تلك
الحركة ، لأنها لم تنطبق عليها الشروط التي رسمتها لفاعلية تلك الأوليات ، ومن هنا
احتفظت نازك لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947م ، وكأن ما ولد قبل
ذلك كان خداجا ، ولم يستوف مدة الحمل التي حددتها السيدة نازك لمثل هذه البدايات
الفنية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق