حكم من تلفظ بكلمة الكفر
الردة وهي قطع الإسلام، وتنقسم إلى
ثلاثة أقسام: أفعال وأقوالٌ واعتقادات كما اتَّفقَ على ذلك أهل المذاهب الأربعة
وغيرهم، كالنووي (ت676 هـ) وغيره من الشافعية، وابن عابدين ( ت 1252 هـ ) وغيره من
الحنفية، ومحمد عليش ( ت1299 هـ ) وغيره من المالكية، والبهوتي ( ت 1051 هـ) وغيره
من الحنابلة.
وكلٌّ من الثلاثة كفرٌ بمفردِهِ
فالكفرُ القوليُّ كفرٌ ولو لم يقترن به اعتقادٌ أو فعلٌ، والكفرُ الفِعْلِيُّ كفرٌ
ولو لم يقترن به قول أو اعتقادٌ أو انشراحُ الصَّدْر به، والكفرُ الاعتقادي كفرٌ
ولو لم يقترن به قولٌ أو فعلٌ، وسواء حصول هذا من جاهل بالحكم أو هازل أو غضبان.
قال الله تعالى: [وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ
وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] {التوبة 66-65 } .وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :" إنَّ الرَّجلَ لَيَتَكلَّمُ بالكلمةِ لا يَرى بها بأسًا يهوِي بِها
سبعينَ خريفًا في النَّارِ " رواه الترمذي وحسنه، وفي معناه حديث رواه
البخاري ومسلم.وقال الإمام المجتهد محمد بن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) في كتابه
" تهذيب الآثار ": إن من المسلمين من يخرج من الإسلام من غير أن يقصد
الخروج منه اهـ.
وقال الحافظ الكبير أبو عوانة (ت 316
هـ) الذي عمل مستخرجا على مسلم، فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري
ج12/301-302:" وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد
الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام" اهـ.
وقال الشيخ عبد الله بن الحسين بن
طاهر الحضرمي (ت 1272 هـ) في كتابه سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق:"
يجب على كل مسلم حفظُ إسلامه وصونُهُ عمَّا يفسده ويبطلُهُ ويقطعُهُ وهو الرّدةُ
والعياذ بالله تعالى وقد كثُرَ في هذا الزمان التساهلُ في الكلام حتى إنَّهُ
يخرج من بعضهم ألفاظٌ تُخرجهم عن الإسلام ولا يَرَوْنَ ذلك ذنبًا فضلاً عن كونه
كفرًا"اهـ
قال مختصره الإمام المحدث الشيخ عبد
الله بن الهرري (ت 1429 هـ) ص/14: " وذلك مصداقُ قوله صلى الله عليه وسلم
:" إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين
خريفًا" أي مسافة سبعين عامًا في النـزول وذلك منتهى جهنم وهو خاصٌ بالكفار.
والحديث رواه الترمذي وحسَّنَه. وفي معناه حديث رواه البخاري ومسلم، وهذا
الحديث دليل على أنه لا يشترط في الوقوع في الكفر معرفة الحكم ولا انشراح الصدر
ولا اعتقاد معنى اللفظ."اهـ
وجاء في كتاب الفتاوى الهندية في مذهب
الإمام أبي حنيفة، (قام بتأليفها جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين
البلخي بأمر من سلطان الهند أبي المظفر محيى الدين محمد أورنك زيب) ج2/259 و261 ما
نصه:"يكفر بإثبات المكان لله تعالى"، "وكذا إذا قيل لرجل: ألا تخشى
الله تعالى، فقال في حالة الغضب: لا، يصير كافرا،كذا في فتاوى قاضي خان"اهـ
وأفتى ابن أبي زيد القيرواني في تبصرة الحكام لإبن فرحون المالكي ج2ص284دار
الفكر : فيما حكى عنه في رجل لعن رجلا ولعن الله وقال: إنما أردت أن ألعن
الشيطان ، فزل لساني فقال : يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره ، وهو معذور
فيمابينه وبين الله ".
قال أبو مصعب وإبن أبي أويس : سمعنا مالكا يقول : من سب النبي صلى الله
عليه وسلم أو شتمه ، أو عابه أو تنقصه قتل مسلما كان أو كافرا ، ولا يستتاب
". كتاب الشفا للقاضي عياض المالكي
2/936
قال القاضي عياض اليحصبي المالكي
(ت 544 هـ) في كتابه الشفا ج2/214 الباب الأول في بيان ما هو في حقه صلى
الله عليه وسلم سبٌ أو نقص ٌ من تعرض أو نصٍ: من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو
عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو
شبهه بشىء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب
له فهو ساب له... قال محمد بن سنحون المالكي أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص
له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له ... ومن شك في كفره وعذابه كفر."اهـ
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد أحمد
عليش المالكي (ت 1299هـ) في منح الجليل على مختصر العلامة خليل ج9/205 ما نصه:
"وسواء كفر بقول صريح في الكفر كقوله كفر بالله أو برسول الله أو بالقرءان أو
إلاله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي
يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من الدين
بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرءان أو الرسول، وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه..أو
بفعل يتضمنه أي يستلزم الفعل الكفر استلزاما بينا كإلقاء أي رمي مصحف بشىء
قذر"اهـ .
وقال أيضا في فتح العلي المالك في
الفتوى على مذهب الإمام مالك، ج2/348: س: ما قولكم في رجل جرى على لسانه سب
الدين ( أي دين الإسلام ) من غير قصد ( أي من غير قصد الخروج من الدين)
هل يكفر ؟ فأجبت بما نصه : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله،
نعم ارتد )أي خرج من الإسلام(،
وفي المجموع ولا يعذر بجهل.اهـ
قال الإمام يحيى بن شرف النووي
الشافعي (ت 676 هـ ) في كتاب منهاج الطالبين وعمدة المفتين، ص/293، ما نصه:"
كتاب الردة: هي قطع الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل سواء قاله استهزاء أو عنادًا
أو اعتقادًا " اهـ
وقال تاج الدين السبكي (ت771 هـ) في
طبقاته ج1/91 ما نصه:" ولا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من
تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفر أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف
قلبه " اهـ.
وقال الفقيه الحنبلي منصور بن إدريس
البهوتي (ت 1051 هـ) في كتاب شرح منتهى الإرادات، ج3/386 ، ما نصه:" باب حكم
المرتد، وهو لغة الراجع ،..وشرعا من كفر ولو مميزا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو
شك طوعا ولو كان هازلا بعد إسلامه "اهـ.
وقال الشيخ محمد بن بدر الدين بن
بلبان الدمشقي الحنبلي (ت1083هـ) في كتاب مختصر الافادات في ربع العبادات والآداب
وزيادات، ص/514 ما نصه:" فصل في المرتد: وهو من كَفَرَ ولو مميزا طوعا ولو
هازلاً بعد إسلامه "اهـ.
هذا وقد عد كثير من الفقهاء كالقاضي
عياض المالكي المتوفى سنة 544هـ والفقيه بدر الرشيد الحنفي المتوفى سنة 768 هـ
والفقيه يوسف الأردبيلي الشافعي المتوفى سنة 799 هـ وغيرهم أشياء كثيرة في بيان
الألفاظ المكفرة نقلوها عن الأئمة فينبغي الإطلاع عليها ....
وفي الأخير أختم كلامي بقول النبي صلى
الله عليه وسلم : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا يهوي
بها سبعين خريفا في النار " صحيح الجامع. فحذاري أخي المسلم من مزلات اللسان
التي توقع صاحبها في الكفر أو الشرك عياذا
بالله ، عظموا ربكم وعظموا دينكم وعظموا نبيكم .
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل
والله الموفق واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق